الزكاة في الإسلام أحكام وفوائد
فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)
الفقه الإسلامي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .. أما بعد فالزكاة هي أحد أركان الإسلام العظيمة بل هي الركن الثالث من أركان الإسلام ، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله ـ عز وجل ـ وقد قال الله ـ تعالى ـ مبينا فوائدها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ) . فبين الله ـ سبحانه وتعالى ـ فوائد الزكاة فذكر منها فائدتين : الفائدة الأولى : أنها تطهر الإنسان من الذنوب ، كما قال - النبي صلى الله عليه وسلم- : ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفيء الماء النار ) . فهي تطهر الإنسان من ذنبه لأن الذنب نجس وقذر كما قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ) . لكن المشرك لما لم يكن عنده عمل صالح صارت نجاسته نجاسة مطلقة ، أما المؤمن ذو المعاصي فإن نجاسته بحسب ما فيه من المعصية ، ولهذا جاء في صفة الاستفتاح أن يقول الإنسان : ( اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ) ، فالصدقة تطهر الإنسان من ذنبه وتكفر عنه سيئاته . الفائدة الثانية : التزكية وتنمية الأخلاق والإيمان ، لأن الزكاة تزيد في إيمان العبد فإنها عمل صالح ، وكل عمل صالح فإنه يزيد في إيمانه ، وهي أيضا تزيد في أخلاقه ، فإنها تلحق المزكي بأهل الكرم والجود والإحسان . والزكاة لا تجب في كل ما يملكه الإنسان وإنما تجب في أشياء معينة : أولا : الذهب والفضة : فإن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي صفة كانت سواء كانت نقودا أو تبرا ـ وهو القطع من الذهب والفضة ـ أو حليا ، أو أواني ، أو غير ذلك ، مع أنه لا يجوز للإنسان أن يشرب في آنية الذهب والفضة كما هو معروف ، والزكاة تجب في الذهب والفضة بكل حال لقول الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب إليم ٭ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم ) . ويقال لهم : ( هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . فيعذب هؤلاء المانعين الذين يمنعون ما أوجب الله عليهم في أموالهم ، - وأهمها الزكاة - فيعذبون بعذاب جسمي وعذاب قلبي ، فالعذاب الجسمي كي جباهم وجنوبهم وظهورهم ، والعذاب القلبي يقال لهم : ( هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) فالتوبيخ والتنديم لا شك أنه يؤلم النفس فيعذبون عليها ـ والعياذ بالله ـ على منع ما يجب عليهم في أموالهم ظاهرا وباطنا . والكانز للذهب والفضة ـ كما قال العلماء ـ هو كل من لا يؤدي زكاة الذهب والفضة فهو كانز لها وإن كانت على قمم الجبال ، وكل من أدى زكاة الذهب والفضة فهو غير كانز لها وإن كانت في قعر الأرض ، فليس الكنز هو الدفن بل الكنز أن تمنع ما يجب عليك من زكاة أو غيرها في مالك . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار و أحمي عليها في نار جهنم ، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ). وقوله : ( ما من صاحب ذهب ولافضة ) ، عام لم يقيده - النبي عليه الصلاة والسلام ـ بشيء ، وبناء على ذلك فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الزكاة واجبة في الحلي من الذهب والفضة ، ويدل لهذا أحاديث خاصة في الحلي منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أتته امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب ، فقال لها أتؤدين زكاة هذا ؟ قال : لا .قال : أيسرك أن يسورك بهما سوارين من نار ؟ فخلتهما وألقتهما إلى - النبي صلى الله عليه وسلم- وقالت : هما لله ورسوله ) . وهذا الحديث قواه الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في بلوغ المرام فقال : أخرجه الثلاثة وإسناده قوي . وذكر له شاهدين أحدهما من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ والثاني من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها - . وعلى هذا فلا قول لأحد بعد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ولا يمكن لأي إنسان أن يحتج بين يدي الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة بقول فلان إلا بقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن الإنسان تقوم عليه الحجة به ، أما قول غير الرسول فانه لن ينفعك يوم القيامة ؛ ولهذا يقول الله تعالى : ( و يوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ) ؟ ولم يقل ماذا أجبتم فلانا وفلانا بل قال ماذا أجبتم المرسلين ؟ فماذا يكون جوابك يوم القيامة إذا سئلت ماذا أجبت رسولي بإيجاب الزكاة في الحلي وقد جاءك عنه نص عام ونص خاص ؟ وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله - . والقول الثاني : أنه لا زكاة في الحلي إذا كان معدا للبس أو العارية ، فتكون المسألة مسألة نزاع بين العلماء والحكم بين العلماء في مسألة النزاع قوله تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ، لا إلى فلان ولا إلى فلان ولا يرجح بكثرة عدد ولا بقوة علم ، ولكن بما دل عليه الكتاب والسنة ، وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) ، ونحن إذا رددنا هذه المسألة إلى الله ورسوله وجدنا أن القول الراجح هو قول من يقول بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة . ولا تجب الزكاة في الذهب والفضة إلا إذا بلغ نصابا : والنصاب من الذهب عشرون مثقالا ومن الفضة مائة وأربعون مثقالا ، وقد حررت هذه فبلغت بالذهب خمسة وثمانين غراما تزيد قليلا أو تنقص قليلا ، وفي الفضة ستة وخمسين ريالا عربيا من الفضة أو ما يقابلها من الأوراق النقدية وكما نعرف أن الأوراق النقدية ترتفع أحيانا وتنخفض أحيانا ، فكانت هذه الأوراق النقدية أول ما خرجت الواحدة تساوي ريالا من الفضة أما الآن فالواحدة لا تساوي إلا عشر ريال ، من الفضة بعشر ورق من هذه الإوراق فيكون النصاب من هذه الأوراق خمسائة وستون فإذا زاد فعلى حسبه ، فلو كان عند المرأة حلي من الذهب يبلغ ثمانين غراما فقط فليس فيه زكاة لأنه لم يبلغ النصاب ، ولو كان عند الإنسان من الفضة خمسون ريالا فليس فيه زكاة ، ولو كان عند الإنسان نصف نصاب من البر ونصف نصاب من الشعير ، فلا تجب الزكاة في أي واحد منهما مع أن القصد فيهما واحد وهو الاقتيات ، فكذلك الذهب والفضة ، لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب إلا إذا كان للتجارة . ولو كان عند الإنسان بنات صغار كل واحدة أعطاها من الحلى أقل من النصاب فلا يضم الحلي إلى بعضه حتى يكمل النصاب لأن كل واحدة تملك حليها ملكا خاصا ؛ فتعتبر كل واحدة منهن نفسها ، ولا يكون حينئذ فيه زكاة . ويقول بعض الناس إذا كانت المرأة ليس عندها مال تدفع الزكاة منه ، وليس عندها إلا الحلي فهل يجوز أن يقوم زوجها بأداء الزكاة عنها ؟ فالجواب : نعم إذا رضيت بذلك فلا بأس ، أو يقوم أحد من أقاربها كأخيها وأبيها فلا حرج أيضا ، فإن لم يقم أحد بذلك وليس عندها إلا الحلي فإنها تخرج من حليها أو تبيع من هذا الحلي وتزكي . لكن قد يقول قائل : إذا أمرتموها بأن تبيع من الحلى وتزكي فإنه لا يمضي سنوات إلا وقد انتهى حليها ، ولم يكن عندها شيء ؟ فالجواب عن هذا أن نقول : إذا وصل إلى حد ينقص فيه عن النصاب لم يكن عليها زكاة ، وحينئذ لا يخلص حليها ، فسيبقى لها على زنته أربعة وثمانون غراما فهذا لا يزكى . ومقدار زكاة الذهب والفضة ربع العشر ، أي واحد من أربعين ، وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان مال من الذهب والفضة أو الأوراق النقدية فليقسمه على أربعين وما خرج من القسمة فهو الزكاة ، فإذا كان عنده على سبيل المثال أربعون ألفا فقيمة زكاتها ألف ريال ، وإذا كان عنده أربعمائة ألف فزكاتها عشرة آلاف ريال وهكذا . الثاني : عروض التجارة : وهي كل ما أعده الإنسان للتجارة والربح من أي مال كان ، فإذا قدرنا أن رجلا يتاجر بالماشية فهي عروض تجارة ، وكذلك تجارة الأراضي أو الأقمشة أو الساعات وهكذا . المهم أن كل مال أعددته للتجارة فهو عروض تجارة تجب فيه الزكاة . ولمعرفة مقدار زكاته ، فإننا نقول له : قدر هذا المال إذا تم الحول ، وانظر كم قيمته ؟ ثم اقسم على أربعين فما حصل فهو الزكاة ، لأن عروض التجارة فيها ربع العشر ، ووجه ذلك أن الغرض من عروض التجارة تكثير المال باعتبار القيمة ، ولهذا تجد صاحب العروض لا يقصد عين السلعة ، فقد يشتري